جاد حكيم – لبنان ٢٤:
مرة جديدة تظهر أزمة الإيجارات في لبنان، مع استفحال المشكلة وسط التوترات التي تشهدها المنطقة بين محور المقاومة وإسرائيل التي أشعلت الأمور بعد سلسلة من الإغتيالات نفذتها بين خان يونس والضاحية الجنوبية لبيروت وطهران.
وكما بات معروفًا، تشهد المناطق اللبنانية أزمة نزوح داخلية نحو تلك القريبة من بيروت، والتي من غير المتوقع أن يتم قصفها من قبل إسرائيل، أهمها بعبدا وعاليه وصوفر، بالاضافة إلى كسروان وجبيل، إذ تشهد هذه المدن والبلدات نسبة نزوح كثيفة، خاصة من داخل بيروت.
وحسب المصادر المتابعة، فإن عملية النزوح لم تنحصر فقط بالعائلات المتواجدة في الضاحية الجنوبية لبيروت، أو حتى تلك التي تقع ضمن نطاق نفوذ “الحزب”، إنّما أيضا من بلدات أخرى خارج بيروت، بالاضافة إلى البلدات الجنوبية التي ارتفعت فيها مؤخرا وتيرة النزوح، وصبّت بمجملها نحو القرى الشوفية.
وعلى خط الأزمة، ارتفعت صرخة المواطنين الذين أبدوا استغرابهم من حجم بدلات الإيجار المطلوبة، حيث تراوحت بين 500 إلى 750، وصولا إلى 1300 دولار أميركي.
هذه الفورة في النزوح تؤكّد أن اللبنانيين ما عادوا ينظرون إلى التهديدات الإسرائيلية على أنّها مجرّد تهويل لا أكثر. فأخذ الأمور على محمل الجد هذه المرة أدى إلى ارتفاع منسوب الطلب على الشقق، في مقابل انحدار واضح في العرض، خاصة وأن المصطافين الذين حجزوا مسبقا بيوت الإصطياف في المناطق الجبلية قرروا أن يمددوا عقود الإيجار مرة أخرى، وبعضهم مدّد الإقامة إلى الصيف المقبل، وهذا ما سيشكّل في طبيعة الحال ارتفاعا في الطلب مقابل انخفاض في العرض، ما سيؤثر حسب المعادلة الإقتصادية على الأسعار التي سترتفع.
في السياق، لا يمكن شمل كافة المالكين لناحية مشاركتهم بفرض إيجارات خيالية، إذ إن قسمًا كبيرًا منهم رفض الإنجرار إلى مغريات الحرب وأزماتها، ورفض لبس صفة “تجّار الأزمات”، حيث يمكن القول أن العدد الأكبر التزم بالبدل المعتمد الذي يختلف بين منطقة وأخرى. والبعض الآخر أخذ على عاتقه الإنضواء تحت مطالب قادة الأحزاب، خاصة في المناطق الجبلية، حيث طلبت هذه القيادات من المواطنين التأجير ضمن أسعار معقولة، شعورًا مع أهالي الجنوب وبيروت.
من يعطي الحق للمالك أن يؤجّر بأسعار فلكية؟
هذا السؤال حملناه إلى المستشار القانوني لنقابة المالكين المحامي شربل شرفان، الذي أشار إلى أن سبب هذه الأزمة المباشر والأساسي هو قوانين الإيجارات الإستثنائية، أي ما يعرف بالإيجارات القديمة، حيث تعتبر سبب كل علّة في موضوع ضرب خدمة الإيجار.
ويلفت شرفان خلال اتصال عبر “لبنان24” إلى أن موضوع قيمة بدل الايجار نسبي ويتغير بين منطقة وأخرى ووفق مساحة كل شقة ومحتوياتها وموقعها، وكذلك فإنّ تحديد قيمة بدل الإيجار يعتمد على عدد الشقق أو المباني المعروضة للتأجير، خاصة وأنّ عدد الشقق المعروضة للتأجير باتت قليلة، مشيرا إلى أنّ الكثير من المستأجرين الذين يستفيدون من قانون الإيجار الاستثنائي (القديم) يملكون منزلا أو أكثر، ويستمرون في وضع يدهم على المأجور الذين يستأجرونه بإيجار قديم، والسواد الأعظم أنّ بعضهم قد أقفل المأجور وانتقل للعيش في منزل يملكه ومع ذلك لا يسلمون المأجور للمالك بل يحاولون ابتزازه للحصول على مبالغ ماليّة وهذا ما نعيشه اليوم في العديد من الحالات.
وعن قيمة التأجير التي يتم طلبها، يؤكّد شرفان أن نقابة المالكين هي ضدّ أي تصرف أو استغلال أو ممارسة تخرج عن المبادئ الأخلاقية والإنسانية والضمير، خصوصاً في الوضع الراهن والأزمة التي نعيشها، فإنّ قيمة بدلات الإيجار معروفة في كل منطقة أو حي ولا ينبغي على أي مؤجر أن يستغل ظروف الحرب لطلب بدلات خيالية ولا تتناسب مع البدل الرائج.
ورفض شرفان تعميم هذه الشبهة على كل المالكين الذين يتم اتهامهم بشكل جماعي أنّهم يسعون إلى فرض إيجارات خيالية، مشيرا إلى أن هناك مالكين قدّموا منازلهم للنازحين في مختلف المناطق اللبنانية من دون أي بدل أو ما يُعرف بالتسامح، مقابل أننا سمعنا عن قلّة قليلة تحاول أن تستفيد من هذه الأوضاع، وتسعى إلى فرض إيجارات غير منطقية ولا تتناسب مع المبادئ والأخلاق والضمير الإنساني.
قانون الإيجار القديم العائق الأكبر
وفي وقت يحاول عدد من الأشخاص تفريغ شقق صغيرة لهم من أجل تأجيرها، فإنّ عقدة قانون الإيجارات القديمة لا تزال تشكّل عائقا آخر أمام قيمة الايجار ولكنها على طريق الحلحلة. ففي وقت يرفع بعض أصحاب الشقق الفارغة من أسعارهم، لا تزال بدلات الإيجار القديمة على حالها.
وفي هذا الموضوع لفت شرفان إلى وضع المالك القديم الذي لا يزال يقبض لغاية تاريخه بدلات زهيدة جداً لا تكفي لسد الحاجات الأساسية للعيش الكريم ما بين 2 إلى 5 دولارات سنوياً، وسأل الغيارى على الحقوق أين كانوا عندما كان المالكون القدماء يُنحرون على مدى 70 عاماً وحصلت بحقهم إبادة جماعية شاركت فيها الدولة التي تقاعست عن القيام بواجبها وإعادة التوازن للعلاقة التعاقدية بين المالكين والمستأجرين خصوصاً بعد نهاية الحرب الأهلية، كما استفاد منها المستأجر أيضا.
من هنا، يرى المحامي شربل شرفان أن تحرير هذه العقود من شأنه أن يحل المشكلة بشكل جذري وذلك بناء على قاعدة العرض والطلب، إذ سيرتفع العرض ويوازي حجم الطلب، وسيسمح هذا الأمر بتعديل الأسعار تلقائيا طالما أن المطلوب متوفر. وبالتالي فإن السوق حكماً سوف يُعيد التوازن لنفسه حول تحديد قيمة بدلات الإيجار.
ويقول شرفان إن الأزمة كانت يجب أن تنتهي مع صدور قانون الإيجارات الجديد الذي بدأ نفاذه في 28-12-2014، مشيرًا إلى أن الأحكام القضائية بدأت بالصدور عن محاكم الإستئناف وقضاة البداية، الذين أشاروا إلى أن القانون بدأ ينفّذ منذ العام 2014 وينتهي بالنسبة لغير المستفيدين في 28-12-2023، وللمستفيدين في 28-12-2026.
إلا أن شرفان يوضح أنّه وعلى الرغم من صدور القرارت والأحكام القضائية إلا أن العديد من المستأجرين لا يزالون فريسة التضليل في هذا السياق لناحية إيهامهم بأن لهم الحق في البقاء في الشقق المستأجرة إلى أجل غير مسمى، الأمر غير الحقيقي، باعتبار أنّ مشكلة الإيجارات القديمة سوف تنتهي جذرياً عند انقضاء 12 عاماً من تطبيق القانون الجديد أي في 28 كانون الأول 2026.
تابع كل المواضيع و الأخبار التي تهمك الان على واتساب اضغط على الرابط التالي https://n247.co/wp