مبادرات دولية وإقليمية.. هل يعود الهدوء إلى السودان؟
ومنذ بدء القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع حاولت الأمم المتحدة عبر رئيس بعثتها في السودان فولكر بيرتس تهدئة الأوضاع، لكن شدة المعارك وعدم ارتياح الجيش لمواقفه بشأن عملية السلام التي ترعاها الآلية الثلاثية المكونة من المنظمة الدولية والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” لم يفلحا في إيقاف قعقعة السلاح، وفق مراقبين.
واستجابة لجهود أميركية سعودية مشتركة، وافق طرفا القتال الاثنين الماضي على هدنة رابعة تستمر 3 أيام استطاعت تخفيف الاشتباكات المسلحة وباتت محصورة في مواقع محددة أغلبها بأطراف العاصمة الغربية والشرقية والشمالية ودائرة محدودة بوسط الخرطوم في محيط القصر الرئاسي ومقر قيادة الجيش والمطار، وقد أدى ذلك إلى تراجع عدد الضحايا.
مبادرة “إيغاد”
وقال الجيش إن البرهان وافق مبدئيا على المبادرة، لكن الخارجية السودانية ذكرت أنه لا مجال للتفاوض مع من وصفتهم “بالمتمردين” وليس أمامهم سوى الاستسلام أو الفناء، وهو ما عدّه مراقبون تبادلا للأدوار بينهما.
ويرى مراقبون أن المبادرة الأفريقية تتيح لقائد الجيش فرصا أكبر للمناورة، وتقطع الطريق أمام أي تدخل دولي وتجنبه الضغوط الخارجية.
وفي المقابل، قال يوسف عزت المستشار السياسي لقائد قوات الدعم السريع إن أمامهم عدة مبادرات ولا يزالون يخضعون المبادرة الأفريقية للدراسة، ولم يحددوا موقفًا بشأنها بعد، مؤكدًا انفتاحهم على المبادرات كافة.
وشكّك عزت في قدرة البرهان على تنفيذ أي اتفاق أو التزام “لأنه ينفذ أجندة ومواقف أطراف أخرى” لم يحددها، وتسعى -كما قال- إلى استمرار المواجهات لاعتقادها أن بإمكانها حسمها عسكريا، مؤكدًا أنها لن تستطيع تحقيق ذلك.
من ناحيته، يرى مسؤول في وزارة الخارجية السودانية أن الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن الدولي عدّت ما يجري في السودان نزاعًا داخليا يمكن حلّه عبر المنظمات الإقليمية بعدما طالب الاتحاد الأفريقي ودول أفريقية بعدم التدخل الدولي في قضية السودان.
وحسب الدبلوماسي، فإن لدول “إيغاد” تجربة ناجحة في السودان برعايتها لمحادثات السلام بين شماله وجنوبه التي أفضت إلى اتفاق انتهى بانفصال الجنوب في عام 2011، ووقفت خلف المنظمة الأفريقية الدول الغربية في منبر أصدقاء “إيغاد” ثم صاروا شركاء لها وتعهدوا بتمويل مشروعات للإعمار والتنمية، غير أنهم لم يفوا بالتزامهم.
الوساطة الأميركية السعودية
وتدعو المبادرة الأميركية إلى تحويل الهدنة إلى وقف دائم للعداء وتشكيل:
– فريق يشرف على الجوانب الإنسانية وفتح ممرات للمساعدات الدولية.- وفريق آخر للإشراف على التفاوض بين الجيش والدعم السريع.- ولجنة مشتركة تضم طرفي الصراع وممثلين للآلية الثلاثية لمراقبة تنفيذ وقف الأعمال العدائية، حسب المسؤول الدبلوماسي.
ويعتقد الخبير الأمني محمد الأطرش أن القاسم المشترك بين الدول الغربية والعربية الفاعلة في المشهد السوداني هو السعي لمنع السودان من التفكك والحيلولة دون نشوب حرب أهلية وانزلاقه إلى فوضى، وقناعتها أن الجبهة الداخلية هشة والقوى السياسية منقسمة ومتصارعة وأن أكبر قوة صلبة ومتماسكة يمكن أن تحقق الأمن والاستقرار وتحفظ كيان الدولة هي الجيش وينبغي عدم إضعافه لمصلحة مليشيات أو مجموعات عسكرية جهوية أو قبلية.
مواقف متقاطعة
وتشدد المصادر على أنه لا عودة لما قبل 15 نيسان الماضي وأن المخرج من حالة الشقاق والاستقطاب عبر عودة الأحزاب إلى دورها والتواصل مع قواعدها وتشكيل حكومة طوارئ أو تصريف أعمال تكون أولوياتها تطبيع الحياة بعد توقف الحرب وتتصدى للأزمة الاقتصادية ومعاش الناس، وتهيئ البلاد لإجراء الانتخابات في مدة وجيزة.
ولكن المحلل السياسي علي الحسين يعتقد أن محاولة أي طرف استثمار ما تنتهي عليه الحرب أو استغلال أي مكاسب عسكرية لفرض شروط أو تغيير المشهد ستدخل البلاد في دوامة الصراع وعدم الاستقرار.
ويدعو الحسين للعودة إلى المسار الديمقراطي عبر توسيع العملية السياسية وتطوير الاتفاق الإطاري ليشمل قوى فاعلة أخرى بجانب قوى الحرية والتغيير- المجلس المركزي، حتى يكون الاتفاق السياسي شاملًا وتسانده قاعدة وطنية عريضة.
ويرجّح أن تحقق مساعي واشنطن والرياض تقدمًا رغم المصاعب وتباعد مواقف الأطراف المتصارعة، ويقترح تنسيق الجهود الدولية والإقليمية حتى لا يكون السودان مسرحًا لصراع أجندات مختلفة.
ويقول الحسين إن السودان بحاجة إلى تعافٍ ومصالحة وطنية بعد توقف القتال، لا إلى منازعات وصراع سياسي يضاعف من متاعب البلاد ومعاناة أهلها.
ويرى أنه في حال لم يقدم الفرقاء من القوى المدنية والعسكرية تنازلات حتى لو كانت مؤلمة، فإن البلاد ستظل في حالة من انعدام الاستقرار وربما تدخل في دوامة من العنف. (الجزيرة)