تلسكوب ‘جيمس ويب’ يلتقط أول صورة لثاني أكسيد الكربون خارج النظام الشمسي

التقط تلسكوب “جيمس ويب” الفضائي أول صور مباشرة لثاني أكسيد الكربون في كوكب خارج النظام الشمسي، حيث تم رصده في نظام الكواكب المتعددة المعروف باسم HR 8799، والذي يبعد نحو 130 سنة ضوئية عن الأرض.
يُعتبر هذا النظام هدفاً رئيسياً لدراسات تشكّل الكواكب منذ فترة طويلة، وتقدم هذه الملاحظات أدلة قوية على أن الكواكب العملاقة الأربعة في هذا النظام تشكلت بطريقة مشابهة لتلك التي تشكل بها “المشتري”، و”زحل” في نظامنا الشمسي.
وبحسب النتائج المنشورة في مجلة “الفيزياء الفلكية” الدورية، حلَّل الفريق التركيب الكيميائي لأغلفة الكواكب الجوية مباشرة، بدلاً من الاعتماد على استنتاجات غير مباشرة من قياسات ضوء النجوم.
ومن خلال اكتشاف ثاني أكسيد الكربون، أظهر العلماء أن هناك نسبة كبيرة من العناصر الثقيلة، مثل الكربون والأكسجين والحديد، تتواجد في أغلفة هذه الكواكب الجوية.
إنجاز علمي كبير
ويُعد اكتشاف ثاني أكسيد الكربون على الكواكب خارج النظام الشمسي إنجازاً علمياً كبيراً، حيث يوفر رؤى عميقة حول تشكّل الكواكب وتطورها، ويساعد في فهم العمليات الكيميائية والفيزيائية التي تحدث في أغلفتها الجوية.
ويشير وجود ثاني أكسيد الكربون إلى وجود عناصر ثقيلة مثل الكربون والأكسجين، مما يدعم نظرية “تراكم النوى” لتشكل الكواكب العملاقة، وهي العملية نفسها التي تشكل بها “المشتري” و”زحل” في نظامنا الشمسي.
ويسمح هذا الاكتشاف بتحليل التركيب الكيميائي للكواكب البعيدة، كما يساهم في مقارنة الأنظمة الكوكبية الأخرى بنظامنا الشمسي، مما يساعد على تحديد ما إذا كانت الظروف التي أدت إلى تشكل الأرض نادرة أم شائعة في الكون.
ويلعب ثاني أكسيد الكربون دوراً مهماً في تقييم قابلية الكواكب للحياة، إذ يُعتبر جزءاً أساسياً من دورة الكربون التي تدعم الحياة كما نعرفها.
وبالنظر إلى ما نعرفه عن النجم الذي تدور حوله هذه الكواكب، فإن هذا يشير على الأرجح إلى أن تلك الكواكب تشكّلت عبر عملية “تراكم النوى”، وهي نتيجة مثيرة للاهتمام بالنسبة للكواكب التي يمكننا رؤيتها مباشرة.
وعملية تراكم النوى إحدى النظريتين الرئيسيتين لتشكّل الكواكب العملاقة، والتي تفترض أن الكواكب تتشكل من خلال تراكم المواد الصلبة، مثل الغبار والصخور، لتكوين نواة صلبة أولية، وعندما تصل هذه النواة إلى كتلة حرجة تبدأ في جذب الغازات المحيطة، مثل الهيدروجين والهيليوم، لتكوين غلاف جوي سميك، مما يؤدي في النهاية إلى تشكل كوكب عملاق غازي.
وتُعتبر هذه العملية هي المسؤولة عن تشكل كوكبَي “المشتري” و”زحل” في نظامنا الشمسي، وتوفر اكتشافات مثل وجود ثاني أكسيد الكربون في كواكب خارج النظام الشمسي أدلة قوية على أن هذه العملية قد تكون شائعة في تشكل الكواكب العملاقة في أنظمة أخرى أيضاً.
ويُعتبر HR 8799 نظاماً شاباً يبلغ عمره نحو 30 مليون سنة فقط، مقارنة بعمر نظامنا الشمسي الذي يبلغ 4.6 مليار سنة.
وبسبب تشكلها العنيف حديثاً، لا تزال الكواكب في هذا النظام ساخنة، وتصدر كميات كبيرة من الأشعة تحت الحمراء، مما يوفر للعلماء بيانات قيّمة حول كيفية تشكلها مقارنة بالنجوم أو الأقزام البنية.
ولأن الكواكب العملاقة أن تتشكل بطريقتين رئيسيتين؛ إما عن طريق تراكم النوى الصلبة ببطء، والتي تجذب الغازات حولها كما حدث في نظامنا الشمسي، أو عن طريق الانهيار السريع من قرص نجمي شاب إلى أجسام ضخمة، فيمكن أن يمنح العلماء فهم أي من هاتين الطريقتين أكثر شيوعاً أدلة مهمة للتمييز بين أنواع الكواكب التي يتم اكتشافها في أنظمة أخرى.
أول اكتشاف للكوكب الأعمق
وقال المؤلف الرئيسي للدراسة “ويليام بالمر” عالم الفيزياء الفلكية في جامعة جونز هوبكنز: “هدفنا من هذا النوع من الأبحاث هو فهم نظامنا الشمسي وحياتنا وأنفسنا بالمقارنة مع الأنظمة الكوكبية الأخرى، حتى نتمكن من وضع وجودنا في سياق أوسع. نريد أن نلتقط صوراً لأنظمة شمسية أخرى، ونرى كيف تتشابه أو تختلف مقارنة بنظامنا. من هناك، يمكننا محاولة فهم مدى غرابة نظامنا الشمسي أو مدى طبيعته”.
ويُعتبر تصوير الكواكب خارج النظام الشمسي مباشرة تحدياً تقنياً كبيراً، حيث إن الكواكب البعيدة تكون أضعف من ناحية السطوع بآلاف المرات من النجوم التي تدور حولها.
ومع ذلك، التقط تلسكوب “جيمس ويب” صوراً مباشرة لأطوال موجية محددة يمكن الوصول إليها فقط باستخدام هذا التلسكوب المتطور.
وتم رصد ثاني أكسيد الكربون عبر استخدام “الكوروناجراف” في تلسكوب “جيمس ويب”، وهي أداة تحجب ضوء النجوم الساطعة كما يحدث في الكسوف الشمسي للكشف عن الكواكب التي كانت ستظل مخفية.
وسمحت تلك الأداة للفريق بالبحث عن الأشعة تحت الحمراء في أطوال موجية تكشف عن غازات محددة وتفاصيل أخرى في الأغلفة الجوية للكواكب.
وكشفت الملاحظات أيضاً عن أول اكتشاف للكوكب الأعمق في النظام، والتي أطلق عليها HR 8799 e، عند طول موجي 4.6 ميكرومتر، والكوكب 51 Eridani b عند طول موجي 4.1 ميكرومتر، مما يظهر حساسية تلسكوب ويب في مراقبة الكواكب الخافتة القريبة من النجوم الساطعة.
وقال المؤلف المشارك في الدراسة “لوران بويو” إن هناك أدلة أخرى تشير إلى أن هذه الكواكب الأربعة في نظام HR 8799 تشكلت باستخدام هذه الطريقة التراكمية “لكننا لا نعرف بعد مدى شيوع هذه الطريقة بالنسبة للكواكب ذات الفترات المدارية الطويلة التي يمكننا تصويرها مباشرة. وبالتالي؛ فنحن نقترح المزيد من الملاحظات باستخدام تلسكوب ويب، مستوحاة من تشخيصات ثاني أكسيد الكربون، للإجابة على هذا السؤال”.
وأضاف بالمر: “هذه الكواكب العملاقة لها آثار كبيرة. إذا كانت هذه الكواكب الضخمة تعمل مثل كرات البولينج التي تتحرك عبر النظام الشمسي، فيمكن أن تعطل أو تحمي أو تفعل القليل من كليهما للكواكب الشبيهة بالأرض. لذا، فإن فهم المزيد عن تشكلها هو خطوة حاسمة لفهم تشكل وبقاء وقابلية سكن الكواكب الشبيهة بالأرض في المستقبل”.