عينات من الجانب المظلم تكشف أسراراً جديدة عن القمر

للمرة الأولى في تاريخ الاستكشاف القمري، نجحت الصين في إعادة عينات من الجانب البعيد للقمر، في خطوة وصفت بأنها تحول مفصلي في فهمنا لتاريخه الجيولوجي المعقّد. المهمة، التي حملت اسم “تشانغ آه-6″، هبطت عام 2023 في حوض القطب الجنوبي-أيتكين، وهو أضخم هيكل ناتج عن اصطدام معروف على سطح القمر، وجمعت نحو كيلوغرامين من الصخور والتربة.
لطالما أثارت الفروقات بين وجهي القمر—المرئي لنا والمخفي—اهتمام العلماء، لا سيما أن الجانب البعيد يتميز بقشرة أكثر سماكة، ونشاط بركاني مختلف، وتضاريس أكثر وعورة. إلا أن النظريات السابقة، وإن تعددت، بقيت تفتقر إلى الدليل المباشر… حتى الآن.
العينات الجديدة، التي خضعت لتحليل مشترك بين عدة مؤسسات علمية صينية، وفّرت بيانات غير مسبوقة حول تكوين القمر. فقد أظهرت أن القمر احتفظ بنشاط بركاني لفترة أطول مما كان يعتقد سابقاً—استمرت لما لا يقل عن 1.4 مليار سنة. كما كشفت وجود تقلبات في المجال المغناطيسي قبل 2.8 مليار سنة، ما يشير إلى ديناميات داخلية أكثر تعقيداً مما كان يُفترض.
لكن المثير فعلاً، وفق ما جاء في أربع دراسات نُشرت حديثاً في مجلة “نيتشر”، هو ما تعكسه هذه العينات عن تاريخه المبكر. إذ تبيّن أن الحوض الضخم الذي استُخرجت منه العينات تشكّل قبل نحو 4.25 مليار سنة، جراء اصطدام هائل قدّر العلماء طاقته بما يتجاوز تريليون قنبلة ذرية.
كذلك، أظهرت التحاليل الجيوكيميائية وجود تباين صارخ في توزيع المياه والعناصر المتطايرة بين جانبي القمر، ما يدعم فرضية أن الاصطدامات العنيفة في مراحله الأولى ساهمت في استنزاف موضعي لمحتوى الوشاح الداخلي.
البروفيسور وو فويوان، من معهد الجيولوجيا والجيوفيزياء، أكد أن هذه الدراسات تُعد الأولى من نوعها التي ترسم خريطة زمنية دقيقة لتأثيرات الاصطدامات المبكرة على بنية القمر. أما المراصد الفلكية الوطنية، فقد تولت فحص الخواص المعدنية والمغناطيسية للعينات، ما أسهم في رسم صورة أكثر اتساقًا لطبيعة هذا الجسم الفضائي الذي يدور بلا كلل حول الأرض، بوجهٍ نعرفه… وآخر بدأنا للتو باكتشافه.