تكنولوجيا و علوم

علماء يكتشفون ‘سراً جديداً’ يساعد على التنبؤ بالعواصف الفضائية

نجح مسبار “Solar Orbiter” التابع لوكالة الفضاء الأوروبية في تتبع الإلكترونات فائقة الطاقة التي تندفع عبر الفضاء بسرعة تقترب من سرعة الضوء، وربطها بشكل مباشر بمصدرين أساسيين على سطح الشمس؛ هما الانفجارات الشمسية والانبعاثات الكتلية الإكليلية.

 وتفتح هذه النتائج، التي نشرتها دورية “Astronomy & Astrophysics” باباً جديداً لفهم أفضل للفيزياء الشمسية والتنبؤ بالعواصف الفضائية.

منذ عقود طويلة يحاول العلماء فك لغز الجسيمات المشحونة التي تندفع عبر الفضاء بسرعات هائلة تقارب سرعة الضوء، ولا تعد هذه الإلكترونات فائقة الطاقة مجرد ظاهرة فلكية عابرة، بل مفاتيح لفهم عميق لفيزياء الشمس، وأساس للتنبؤ بالتقلبات التي قد تؤثر بشكل مباشر في الأرض وأنظمتها التكنولوجية.

وتتحرك الإلكترونات التي ترصدها الأجهزة الفضائية بسرعات مذهلة تصل إلى نحو 300 ألف كيلومتر في الثانية؛ وتضعها مثل هذه السرعات في نطاق الجسيمات النسبية، حيث تدخل قوانين أينشتاين في الحسابات، وليس قوانين نيوتن وحدها، وهذه الجسيمات لا تأتي من فراغ، بل تحتاج إلى “محرك” هائل يدفعها إلى هذا المستوى من الطاقة.

والانفجارات الشمسية هي انفجارات هائلة للطاقة تحدث نتيجة إعادة ارتباط الحقول المغناطيسية في الغلاف الشمسي، وفي جزء من الثانية يطلق الانفجار طاقة تعادل ملايين القنابل الهيدروجينية، ويرافق ذلك تسريع جسيمات مشحونة – أبرزها الإلكترونات – لتندفع بسرعة هائلة نحو الفضاء؛ وهذه الإلكترونات هي ما يلتقطه العلماء عبر أجهزة الرصد في الفضاء والأرض.

لكن الانفجارات الشمسية ليست وحدها المصدر؛ إذ أثبتت القياسات أن الانبعاثات الكتلية الإكليلية، وهي كتل هائلة من البلازما تقذف من الهالة الشمسية إلى الفضاء، تعمل كـ”مسرعات طبيعية”، فبينما تندفع هذه الغيوم المشحونة بسرعات تصل إلى ملايين الكيلومترات في الساعة، تنشأ موجات صدمية أمامها، تؤدي دورها بتسريع الإلكترونات ودفعها إلى سرعات تكاد تلامس سرعة الضوء.

ويقول العلماء إن هذه الجسيمات فائقة الطاقة مسؤولة بشكل مباشر عن ظواهر مثل العواصف الجيومغناطيسية، التي يمكن أن تشل شبكات الكهرباء، وتؤثر على الملاحة الجوية، وتعرض رواد الفضاء لخطر الإشعاع. ولهذا فإن فهم مصدرها وطبيعة اندفاعها لم يعد مجرد سؤال علمي، بل مسألة تتعلق بأمن تكنولوجيات الأرض.

كما أن معرفة العلاقة بين هذه الإلكترونات وسطح الشمس تمثل خطوة كبيرة نحو تحسين القدرة على التنبؤ بالعواصف الشمسية، إذ أصبح بالإمكان إصدار إنذارات مبكرة تحمي التكنولوجيا الحديثة المعتمدة على الفضاء.

وتمكن الباحثون من تقسيم هذه الظاهرة إلى مجموعتين رئيسيتين تختلفان في آلياتهما وسرعة اندفاعهما.

وتعرف الظاهرة الأولى باسم “الأحداث السريعة” وهي أشبه بالشرارات المفاجئة التي تنطلق عند حدوث انفجار شمسي قوي، وفي هذه الحالة، تؤدي إعادة تشابك الحقول المغناطيسية إلى تحرير كمية هائلة من الطاقة في جزء صغير من الثانية، ما يدفع الإلكترونات إلى التسارع على شكل دفعات سريعة ومركزة؛ وتظهر هذه الانبعاثات عادة بشكل محدود في الزمان والمكان، لكنها تتميز بسرعات عالية جدًا تكاد تلامس سرعة الضوء. وغالبا ما ترتبط هذه الأحداث بانفجارات الأشعة السينية القوية التي يسجلها العلماء.

أما النوع الثاني المعروف باسم “العواصف الطويلة” فلا تعتمد على الانفجارات المفاجئة، وإنما ترتبط بما يعرف بالانبعاثات الكتلية الإكليلية؛ فعندما تقذف كتل هائلة من البلازما من الهالة الشمسية إلى الفضاء، فإنها تدفع أمامها موجات صدمية تشبه الأمواج المتكسرة أمام سفينة ضخمة؛ وهذه الموجات الصدمية قادرة على تسريع الإلكترونات لمسافات أطول وبزمن أطول، ما يجعل الانبعاثات أكثر استمرارية وأوسع انتشارًا مقارنة بالنوع الاندفاعي.

حماية البنية التحتية الفضائية

أوضح المؤلف المشارك في الدراسة، ألكسندر وارموث، الباحث في معهد لايبنيز لعلم الفلك بمدينة بوتسدام في ألمانيا، هذه الفكرة بقوله: “نرى الآن فصلاً واضحاً بين النوعين؛ فالأول يرتبط بالانفجارات السريعة، بينما الثاني يأتي من الانبعاثات الكبرى التي تستغرق وقتًا أطول” مشيرًا إلى أن هذا التمييز لم يكن ممكناً قبل امتلاك بيانات دقيقة من بعثات الفضاء الحديثة، التي وفرت للعلماء قياسات مباشرة لمسارات الإلكترونات وارتباطها بالأحداث الشمسية.

وبين نوفمبر 2020 وديسمبر 2022، رصد المسبار أكثر من 300 انفجار لإلكترونات نشطة، وهو ما أتاح للعلماء لأول مرة تتبع كيفية تشكلها على سطح الشمس ثم خروجها إلى الفضاء.

وأضاف وارموث: “لم يكن ممكناً تحديد هذين النوعين إلا بفضل رصد مئات الأحداث على مسافات مختلفة من الشمس، وهو ما يتميز به Solar Orbiter وحده”.

Solar Orbiter

 أعقد مختبر علمي فضائي أرسل لدراسة الشمس، يلتقط صوراً من أقرب مسافة على الإطلاق، ويكشف للمرة الأولى عن أقطابها.

يحمل 10 أجهزة علمية للإجابة عن أسئلة جوهرية مثل: ما الذي يقود دورة النشاط المغناطيسي للشمس كل 11 سنة؟ كيف تُسخن الهالة الشمسية لملايين الدرجات؟ كيف يتشكل الرياح الشمسية وما الذي يسرعها؟ وكيف تؤثر هذه الظواهر في الأرض؟

تاريخ الإطلاق: فبراير 2020

أول صور: يوليو 2020

بدء العمليات العلمية الروتينية: نوفمبر 2021

أبرز الإنجازات: أقرب صور للشمس، أول صور قريبة لأقطابها، قياس تركيب الرياح الشمسية وربطها بمناطق منشئها على سطح الشمس.

أقرب مسافة للشمس: 42 مليون كيلومتر

كتلة الإطلاق: 1720 كيلوجرام

زاوية الرؤية: حتى 33 درجة فوق خط استواء الشمس

وأشار العلماء إلى أن أحد الأسئلة القديمة هو سبب التأخير بين مشاهدة الانفجار الشمسي على السطح ورصد اندفاع الإلكترونات في الفضاء.

وأفادت الدراسة بأن التأخير لا يعود فقط إلى لحظة الانبعاث، بل أيضاً إلى طريقة انتقال الإلكترونات وسط الرياح الشمسية والمجال المغناطيسي المصاحب لها.

وقالت المؤلفة المشاركة في الدراسة، لورا رودريجيز جارسيا، الباحثة في وكالة الفضاء الأوروبية إن “الإلكترونات تواجه اضطرابات، وتشتتاً أثناء رحلتها، ما يؤخر رصدها. وكلما ابتعدنا عن الشمس، تتضاعف هذه التأثيرات”.

ويرى العلماء أن الفهم الجديد للإلكترونات النشطة له أهمية مباشرة على التنبؤ بما يُعرف بـ”الطقس الفضائي”، إذ أن الأحداث المرتبطة بالانبعاثات الكتلية الإكليلية هي الأخطر، لأنها تحمل جسيمات عالية الطاقة ربما تلحق أضراراً جسيمة بالأقمار الصناعية ورواد الفضاء وأنظمة الاتصالات.

وقال المؤلف المشارك في الدراسة، دانييل مولر، العالِم المسؤول عن مهمة Solar Orbiter في وكالة الفضاء الأوروبية إن “هذا التقدم يمنحنا قدرة أفضل على التمييز بين الأحداث، وهو أمر بالغ الأهمية لحماية البنية التحتية الفضائية”.

المصدر

زر الذهاب إلى الأعلى
error: