تعتبرُ مدينة جنيف وجهة شهيرة للعملاء السريين، وقد اعتادت السلطات السويسرية على هذا الواقع منذ وقت طويل.
وبعد الحرب الروسية على أوكرانيا في شباط 2022، تمّ طرد نحو 500 دبلوماسي روسي من الدول الأوروبية، للاشتباه في تورطهم في أنشطة تجسس، في حين أنّ سويسرا فلم تقم بطرد أي دبلوماسي روسي.
في المقابل، أدّى التصعيد الجديد بين الغرب وروسيا إلى صعوبة عمل شبكات التجسس الروسية في معظم الدول الأوروبية. ومع ذلك، فإنهُ من المحتمل أن هناك مجالًا أكبر لأجهزة المخابرات الروسية في سويسرا بسبب وجودها الكبير هناك”، كما ذكر جهاز الاستخبارات السويسري بشفافية.
يعكس هذا الانفتاح كيفية تعامل سويسرا رسميًا مع شبكات التجسس في البلاد، حيث يُحظر جمع المعلومات الاستخباراتية إذا كان هدفها الحصول على معلومات سياسية واقتصادية وعسكرية تضرّ بمصلحة سويسرا ومؤسساتها وشركاتها والأشخاص المقيمين فيها وتقديمها لجهات أجنبية. لكن من الناحية العملية، فإن مكافحة أنشطة التجسس تُعتبر أمراً صعباً لاسيما أنّ الشخص المعتمد دبلوماسياً والذي يعمل في الأنشطة التجسسية، يتمتعُ بالحصانة ويكاد لا يمكن مسائلته جنائيًا. وفعلياً فإنّ ما يتبقّى هو إمكانية الطّرد، لكنّ سويسرا نادرًا ما تتخذ هذا الإجراء.
بدوره، يقول المؤرخ أدريان هينّي، المتخصص في مجال الاستخبارات، إن “طرد الدبلوماسيين أمر نادر في الدبلوماسية السويسرية”، وأضاف: “نحن لا نرغب في خلق احتقان دبلوماسي ولا نريد المخاطرة بتوتير العلاقات الدبلوماسية.. بالإضافة إلى ذلك، لن يؤدي ذلك بالضرورة إلى حل المشكلة: إذا تم طرد جاسوس، فسيحلّ محلّه في الغالب جاسوس آخر .”
لذلك، فإن التركيز على مراقبة العاملين في جهاز المخابرات قد يكون إجراءً أكثر نجاعة لمكافحة التجسس بدلاً من التدخل العلني والحازم. وبالطبع، تدرك كل الدول التي طردت الدبلوماسيين الروس أن عمليات الطرد هذه بمثابة رسالة سياسية.
من ناحية أخرى، فإن سويسرا ملتزمة بتقليدها في التعامل بتحفظ في مثل هذه القضايا – على الأقل في العلن، ويسود اعتقاد بأن سويسرا تعرب عن اعتراضها لدى الدول المعنية وراء الكواليس إذا ذهب موظفوها بعيدًا جدًا، كما يقول هينّي.
واكتسبت السلطات السويسرية العديد من الخبرات في هذا المجال، فقد تمت ممارسة التجسس في جنيف منذ الحرب العالمية الأولى ويوجد في مدينة جنيف على بحيرة ليمان اليوم حوالى 240 بعثة أجنبية وعشرات المنظمات الدولية ومئات المنظمات غير الحكومية.
ومن الطبيعي أن يكون هناك أيضاً عدد كبير من العملاء في هذه الهيئات، حيث تعتبر جنيف اليوم، إلى جانب بروكسل وفيينا واحدة من 3 بؤر تجسّس ساخنة في أوروبا.
مكانٌ مُريح للعملاء السريين
لكن تقرير جهاز الاستخبارات السويسرية ركز بشكل رئيسي على أنشطة التجسس التي تقوم بها روسيا والصين وإيران – ويبدو أن ذلك يرتبط بالتطورات الأخيرة وبالرغبة في عدم تسليط الضوء على أنشطة دول حليفة. اللافت في التقرير هو الفارق بين أنشطة التجسس للدولتين، فروسيا تمارس التجسس “الكلاسيكي” الذي يستهدف دولًا أخرى، بينما تركّز الصين وإيران في المقام الأول على رعاياهما المغتربين.
ولا يتّفق الخبير في أنشطة التجسس هينّي مع هذا الرأي، إذ يوضّح أنه “لا يمكنك التمييز بوضوح بين أنشطة الدولتين”، ويُردف: “التجسس الروسي يستهدف أيضاً المواطنين الروسيين كما قامت الصين بتوسيع أنشطتها التجسسية بشكل كبير في السنوات الأخيرة. ومن اللافت خصوصًا زيادة عمليات التأثير، أي محاولات التأثير على الرأي العام في الغرب”.
ويكمل تقرير جهاز الاستخبارات السويسرية: “من المرجح جداً أن أجهزة الاستخباراتية الصينية تستخدم عملاء غير دبلوماسيين بشكل أكبر مقارنة بالجهات الاستخباراتية الروسية، أي أشخاص يعملون في المجال العلمي أو وسائل الإعلام أو المنظمات غير الحكومية”.
تتمتع برن بخبرة في التعامل مع أجهزة المخابرات الصينية منذ فترة طويلة، ويُشار إلى العملاء السريين الصينين في هذا السياق بأنهم “غير شرعيين”، في مقابل “الشرعيين” الذين يقومون بنشاطاتهم التجسسية تحت غطاء دبلوماسي. (swissinfo)
لبنان ٢٤
تابع كل المواضيع و الأخبار التي تهمك الان على واتساب اضغط على الرابط التالي https://n247.co/wp